شهدت المملكة العربية السعودية تحولات جذرية منذ زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولى في عام 2017، والتي كانت نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من العلاقات السعودية الأميركية. ومع اقتراب زيارة ترمب الثانية، تتجلى هذه التغيرات في مجالات متعددة، مما يعكس قفزات اقتصادية وسياسية كبيرة.
### التحولات الاقتصادية
منذ إعلان “رؤية 2030” في عام 2016، بدأت السعودية في إعادة هيكلة اقتصادها بشكل جذري. كانت المملكة تعتمد بشكل شبه كامل على النفط، لكن اليوم، تسعى إلى تنويع مصادر دخلها. وقد أظهرت الإحصائيات أن مساهمة الأنشطة غير النفطية في الاقتصاد السعودي وصلت إلى 51% في عام 2024، وهو إنجاز غير مسبوق.
تعتبر الإصلاحات الاقتصادية التي قادتها المملكة جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز القطاعات غير النفطية مثل السياحة، والتقنية، والخدمات المالية. كما أصبح صندوق الاستثمارات العامة ركيزة أساسية في هذه التحولات، حيث تجاوز حجم أصوله 3.53 تريليون ريال، مما يعكس التزام المملكة بجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي.
### التغيرات الاجتماعية
لم تقتصر التحولات على الجانب الاقتصادي فقط، بل شهدت المملكة أيضًا تغييرات اجتماعية ملحوظة. ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أكثر من 43%، بعد أن كانت نحو 17% قبل أقل من عقد. هذه الخطوات تعكس التزام المملكة بتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز دور المرأة في المجتمع.
كما تم تنفيذ برامج لتحسين بيئة الأعمال وتيسير الإجراءات الاستثمارية، مما جعل المملكة واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في مجموعة العشرين. تجاوز عدد الشركات العالمية المرخصة لإنشاء مقار لها في المملكة 500 شركة، مما يعكس الثقة المتزايدة في السوق السعودي.
### الطفرة العمرانية
شهدت المملكة طفرة عمرانية غير مسبوقة، حيث تم إطلاق مشاريع كبرى مثل “نيوم”، المدينة الذكية التي تبنى على ساحل البحر الأحمر، و”القدية” و”البحر الأحمر” و”أمالا”. تهدف هذه المشاريع إلى إعادة تعريف السياحة والاستثمار والترفيه في البلاد، مما يعزز من مكانة المملكة كوجهة عالمية.
كما تم تطوير البنية التحتية بشكل ملحوظ، بما في ذلك شبكة الطرق والموانئ والمطارات. التحول الرقمي السريع جعل من السعودية واحدة من الدول المتقدمة في تقديم الخدمات الحكومية إلكترونياً، مما يسهل على المواطنين والمستثمرين الوصول إلى الخدمات.
### الحضور السياسي
على الصعيد الخارجي، تبنت السعودية سياسة أكثر توازناً واستقلالية. حافظت على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، لكنها وسعت علاقاتها مع قوى دولية كبرى مثل الصين وروسيا والهند. في ظل الأوضاع المعقدة في المنطقة، كثفت المملكة من حضورها السياسي في عدد من الملفات الدولية والإقليمية، وبرزت كوسيط محوري في أزمات الشرق الأوسط.
استضافت السعودية محادثات أميركية روسية وأميركية أوكرانية، واستمرت في دعم القضية الفلسطينية سياسياً وإنسانياً، مما يعكس التزامها بالقضايا العربية والإسلامية.
### التعاون المستقبلي
مع زيارة ترمب الثانية، يسعى البلدان إلى بدء مرحلة جديدة من التعاون تركز بشكل كبير على شراكات نوعية في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدفاعي والأمني. هذه الشراكات تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 وتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي.
### الخاتمة
إن التغيرات التي شهدتها السعودية منذ زيارة ترمب الأولى تعكس رؤية طموحة لمستقبل المملكة. من خلال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تسعى السعودية إلى تحقيق تنمية مستدامة وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية ودولية. ومع استمرار هذه التحولات، يبدو أن المملكة على أعتاب مرحلة جديدة من النمو والازدهار.