الإثنين, سبتمبر 8, 2025
الرئيسيةعسكريةهل ستستمر لعبة المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين؟

هل ستستمر لعبة المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين؟

العلاقة الأمريكية–الصينية: لعبة مفاوضات أم صفقة مصالح؟

تعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة والصين واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في العالم اليوم. تفتح هذه المفارقة باب التساؤل: هل هي مجرد لعبة مفاوضات بحتة، أم أنها صفقة مصالح كبرى تفرضها معادلات الاعتماد المتبادل؟ لفهم هذا الأمر، يجب النظر في عدة جوانب رئيسية.

شبكة الاعتمادية المتبادلة

تُظهر شبكة الاعتمادية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين كيف أن الاقتصاد الأمريكي أصبح مرتبطًا بالصين بشكل شبه كامل في قطاعات استراتيجية. على سبيل المثال، خفضت الصين وارداتها من السلع الأمريكية من 20% عام 2018 إلى 12% حاليًا، في محاولة لتقليل أي تداعيات محتملة نتيجة فرض رسوم جمركية جديدة. هذا يعني أن أي خطأ في الحسابات التفاوضية سيكلف الطرفين ثمنًا باهظًا، وهو ما يدركه صناع القرار في كلا البلدين.

براغماتية ترامب في مواجهة الشعارات

رغم الشعارات العالية والنبرة المرتفعة، خاصة من الجانب الأمريكي، فإن كلا البلدين متكلان على بعضهما بشدة. يقول كبير استراتيجيي الاستثمار في KraneShares، أنطوني ساسين، إن الكلفة ستكون عالية على الطرفين إذا تم فرض رسوم جديدة. تجربة الحرب التجارية في 2018 جعلت ترامب أكثر حذرًا وميلاً إلى البراغماتية عند التنفيذ، حيث اضطرت الإدارة الأمريكية إلى تخصيص نحو 10 مليارات دولار لدعم المزارعين المتضررين.

ورقة النفط الروسي: حسابات معقدة

تستورد الصين النفط الروسي بأسعار منخفضة، مما يمنحها ميزة استراتيجية مزدوجة. فهي تخفف كلفة الطاقة على اقتصادها، وتستخدم النفط كسلاح ضغط في مواجهة واشنطن وأوروبا. هذا الاستخدام الذكي للأدوات الاقتصادية يعكس نهج الصين في المزاوجة بين النفوذ الاقتصادي والتصعيد الجيوسياسي، مما يضع الولايات المتحدة أمام خيارات أكثر تعقيدًا.

الدولار تحت المجهر

تدخل العوامل المالية على خط التوترات، حيث يعاني الاقتصاد الأمريكي من ضغوط متزايدة. التضخم لا يزال عند 3.1%، ومعدلات البطالة بدأت بالصعود التدريجي. تشير المؤشرات إلى خروج تدريجي من الدولار الأمريكي إلى العملات الأخرى، مما يجعل الإدارة الأمريكية أقل استعدادًا للدخول في حرب اقتصادية شاملة مع الصين.

قطاع السيارات الكهربائية: قصة نجاح مهددة؟

يواجه قطاع السيارات الكهربائية تحديات كبيرة، رغم وجود 69 مليون سيارة كهربائية على الطرق عالميًا. سجلت المبيعات أبطأ نمو في يوليو، مما دفع المحللين إلى خفض توقعات النمو. الولايات المتحدة ألغت الدعم الحكومي، والصين قلصت المنح، مما أثر سلبًا على المبيعات.

الصين: مركز الثقل العالمي

رغم التحديات، تبقى الصين اللاعب الأكبر في سوق السيارات الكهربائية. من المتوقع أن تصل مبيعات السيارات الكهربائية في العالم إلى 20 مليون سيارة بحلول 2025، منها 14 مليون سيارة في الصين وحدها. هذا يعني أن أي خلل في الطلب الصيني سيكون بمثابة صدمة عالمية.

المنافسة الصينية: تفوق الكلفة والتكنولوجيا

نجاح الصين في قطاع السيارات الكهربائية يعود إلى تفوقها في التكنولوجيا والتكلفة. لديها طريقة أسرع وأرخص لإنتاج السيارات، مما يضع أوروبا وأمريكا في موقف صعب. تدخل الحكومة الصينية لمنع حرب أسعار يعكس كيف تدير بكين سوقها بطريقة تحافظ على التوازن الداخلي.

من المزارع إلى التكنولوجيا: قبضة بكين المحكمة

تظهر المشهد العام أن النفوذ الصيني يتجاوز قطاعًا واحدًا ليغطي الزراعة، المعادن، التكنولوجيا، والطاقة. استطاعت بكين أن تبني شبكة مصالح تجعل الانفكاك عنها مكلفًا للغاية. في المقابل، تدرك واشنطن أنها تملك أوراقًا مؤثرة، لكن الكلفة تبقى مرتفعة على الجانبين.

علاقة حتمية متوترة

في النهاية، العلاقة بين واشنطن وبكين ليست مجرد لعبة مفاوضات قصيرة الأمد، ولا هي صفقة مصالح نهائية، بل أقرب إلى معادلة دقيقة من الاعتماد والضغط المتبادل. ترامب يرفع صوته عاليًا في الخطاب، لكنه يعود إلى البراغماتية عند التنفيذ. الصين تستغل أدواتها الاقتصادية والجيوسياسية لتثبيت موقعها كلاعب لا يمكن تجاوزه.

مستقبل العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم لن يكون مواجهة مفتوحة، ولا شراكة مستقرة، بل حتمية متوترة: لا يمكن الاستمرار بدون تعاون، ولا يمكن إدارة التعاون بدون صراع.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة