الانتخابات الألمانية: قضايا اللجوء والتحديات الاقتصادية
تسعى الأحزاب الألمانية إلى تقديم برامج انتخابية تتماشى مع اهتمامات مواطنيها وتطلعاتهم للمستقبل. وكما هو معتاد، طرحت قضايا إشكالية شغلت الرأي العام خلال فترة الائتلاف الحكومي، محاولةً تقديم حلول للمسائل التي أثارت جدلاً سياسياً وإعلامياً قبل الانتخابات. من بين هذه القضايا، برزت سياسة اللجوء كقضية رئيسية في مواقف أبرز الأحزاب الألمانية المتنافسة في انتخابات 23 فبراير/شباط الجاري، إلى جانب التحديات الاقتصادية في ظل التباطؤ الاقتصادي الملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
محور رئيسي: قضية الهجرة واللجوء
اكتسبت قضية الهجرة واللجوء أهمية متجددة في الحملة الانتخابية الألمانية الحالية، حيث أصبحت محورًا رئيسيًا في برامج الأحزاب السياسية. وقد أثارت سلسلة من الهجمات التي نفذها أشخاص من أصول مهاجرة مخاوف لدى المواطنين، مما استغلته معظم الأحزاب الألمانية في حملاتها، معتمدةً على خطاب يركز على الأمن والترحيل.
حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف كان في طليعة الأحزاب التي استثمرت في قضية اللجوء والهجرة غير الشرعية لحشد الدعم الشعبي. وقد ركز الحزب على رفض سياسة اللجوء الحكومية، داعيًا إلى ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين غير النظاميين، لا سيما مرتكبي الجرائم. الباحثة الاجتماعية كاميلا مولينبيرغ تشير إلى أن حزب البديل استغل الهجمات التي نفذها مهاجرون، وحوّلها إلى محور أساسي في خطابه السياسي، مما أسهم في تعزيز حضوره الإعلامي والسياسي.
تنافس الأحزاب حول قضية الهجرة
لاقت مواقف حزب البديل صدى لدى الاتحاد المسيحي، الذي تبنى سياسات مشابهة، مشددًا على ضرورة نقل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة آمنة لمعالجة طلباتهم هناك. كما دعا إلى تشديد الرقابة الحدودية وتسريع إجراءات اللجوء. ورغم تراجع شعبيته في السنوات الأخيرة، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الاتحاد المسيحي سيحصل على أكثر من 30% من أصوات الناخبين.
الحزب الاشتراكي الديمقراطي تبنى مقاربة وسطية، حيث وعد بتسريع إجراءات اللجوء لكنه رفض تحويلها إلى الخارج، مشددًا على ضرورة التزام ألمانيا بتعهداتها الإنسانية ضمن الاتحاد الأوروبي. بينما ركز حزب الخضر على الجانب الإنساني، مؤكدًا ضرورة مراعاة الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال وذوي الإعاقة في إجراءات اللجوء.
التحديات الاقتصادية
إلى جانب الهجرة، تحتل القضايا الاقتصادية مكانة بارزة في البرامج الانتخابية للأحزاب. تسعى كل منها لتقديم حلول للأزمة التي تعاني منها البلاد، وسط ارتفاع أسعار الطاقة، وتراجع الاستهلاك، وهجرة العديد من الشركات إلى الخارج. الحزب الاشتراكي الديمقراطي يقترح خفض أسعار الكهرباء، وتقديم إعفاءات ضريبية للطبقات المتوسطة، ورفع الحد الأدنى للأجور لتحفيز الاقتصاد.
من جهة أخرى، يركز الاتحاد المسيحي على خفض الضرائب وإلغاء ضريبة التضامن، إلى جانب تخصيص ميزانيات إضافية للدفاع وتعزيز الأمن. بينما يسعى حزب الخضر إلى تخصيص ميزانيات لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط وزيادة الضرائب على الأثرياء.
أزمة اقتصادية عميقة
تأتي هذه الانتخابات في وقت تعاني فيه ألمانيا من أعمق أزمة اقتصادية منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية عام 1949. الخبير الاقتصادي فولف شويبرت يشير إلى أن "ألمانيا لم تحقق أي نمو منذ 5 سنوات"، موضحًا أن المشكلات الاقتصادية ليست فقط نتيجة الأزمات العالمية، بل تعود أيضًا إلى سياسات حكومية غير فعالة. ويؤكد أن "غياب التحول الرقمي، وضعف التعليم، وعدم استقطاب الكفاءات من الخارج، كلها تعد عوامل تعيق الاقتصاد الألماني".
الخاتمة
تتجه الأنظار نحو الانتخابات المقبلة في ألمانيا، حيث ستحدد نتائجها مسار البلاد خلال السنوات المقبلة. تتنافس الأحزاب على قضايا حساسة مثل الهجرة والاقتصاد، مما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها ألمانيا في ظل الظروف الحالية. إن قدرة الأحزاب على تقديم حلول فعالة ومقنعة ستلعب دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل البلاد.