إعادة تسليح أوروبا: صراع المصالح بين فرنسا وألمانيا
في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة، أصبح ضخ مبلغ 150 مليار يورو في صناعة الدفاع بالاتحاد الأوروبي نقطة اشتعال جديدة في معركة طويلة الأمد بين فرنسا وألمانيا. تأتي هذه المبادرة في إطار جهود إعادة تسليح القارة الأوروبية، حيث تتباين الآراء حول ما إذا كان ينبغي أن تشمل هذه المبادرة دولاً خارج الكتلة الأوروبية.
خلفية المبادرة
تأتي هذه الخطوة في سياق مخاوف أوروبا من تهديدات الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي هدد بإنهاء الحماية الأميركية التي استمرت لسنوات. وقد تعهدت الدول الأوروبية بزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، مع التركيز على توسيع قدراتها العسكرية التي تراجعت منذ نهاية الحرب الباردة. في هذا السياق، اقترحت المفوضية الأوروبية جمع 150 مليار يورو لإقراضها للدول الأعضاء لتعزيز إنتاجها العسكري.
الخلافات بين فرنسا وألمانيا
على الرغم من الدعم السياسي العام للمبادرة، لا تزال التفاصيل محل جدل. خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، أبدى المستشار الألماني، أولاف شولتس، دعمه لفكرة أن تشمل المبادرة دولاً خارج الاتحاد الأوروبي، مثل بريطانيا العظمى والنرويج وسويسرا وتركيا. في المقابل، كان للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وجهة نظر مختلفة، حيث أكد على ضرورة أن تركز الإنفاق على المعدات العسكرية الأوروبية فقط، محذرًا من أن الإنفاق على الأسلحة المصنّعة خارج الكتلة الأوروبية قد يضر بالاستقلال الدفاعي للقارة.
أهمية الاستقلال الدفاعي
يعتبر ماكرون أن تعزيز الإنتاج الصناعي المحلي هو الحل الأمثل لسد الفجوات في القدرات الدفاعية الأوروبية، مثل الدفاع الجوي والضربات بعيدة المدى. وقد دعا الدول الأعضاء إلى إعادة النظر في طلباتها العسكرية، مع التركيز على إعطاء الأولوية للطلبات الأوروبية. هذا التوجه يعكس رغبة فرنسا في تعزيز استقلالية أوروبا في مجال الدفاع، بعيدًا عن الاعتماد على الدول الخارجية.
التحديات أمام المبادرة
تواجه المبادرة الجديدة تحديات كبيرة، حيث يشعر دبلوماسيون في بروكسل بالقلق من أن تتعثر المبادرة بنفس الحجج التي أدت إلى تأخير الاتفاق على برنامج صناعة الدفاع الأوروبية السابق. وقد أبدت فرنسا مخاوف بشأن وضع حدود على النسبة التي يمكن إنفاقها على مكونات خارج الاتحاد الأوروبي، مما قد يؤدي إلى تعقيد المفاوضات.
دور المفوضية الأوروبية
تعمل المفوضية الأوروبية على صياغة الاقتراح التفصيلي للمبادرة، حيث حثت كبار المسؤولين على التواصل مع باريس وبرلين لضمان عدم عرقلة المبادرة عند طرحها للموافقة. تشير رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، إلى أن القروض ستستهدف سبع قدرات رئيسة، بما في ذلك الدفاع الجوي والصاروخي والطائرات دون طيار، مما سيساعد الدول الأعضاء على تجميع الطلبات والشراء معًا.
الحاجة إلى توافق سريع
تتولى الحكومة البولندية حاليًا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، مما يضعها تحت ضغط كبير للتوصل إلى اتفاق سريع حول المبادرة. على الرغم من إمكانية الموافقة على المبادرة من قبل أغلبية الدول الأعضاء، إلا أن المشاركة الفرنسية تعد ضرورية، مما قد يتطلب تنظيم تصويت شعبي في فرنسا.
الخاتمة
تعتبر مبادرة ضخ 150 مليار يورو في صناعة الدفاع بالاتحاد الأوروبي خطوة مهمة نحو تعزيز القدرات العسكرية للقارة. ومع ذلك، فإن الخلافات بين فرنسا وألمانيا حول تفاصيل المبادرة قد تعرقل تنفيذها. يتطلب الوضع الحالي توافقًا سريعًا وحسمًا من الدول الأعضاء لضمان نجاح هذه المبادرة الحيوية في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.