تأجيل الانتخابات في سوريا: جدل سياسي وأبعاد أمنية
أثارت قرار اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية في سوريا بتأجيل الاقتراع في محافظات الرقة والحسكة والسويداء جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية. يأتي هذا القرار في وقت حساس، حيث يُعتبر الأول من نوعه منذ تولي الرئيس أحمد الشرع الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد. وقد حددت اللجنة موعد الانتخابات بين 15 و20 سبتمبر 2025، مع زيادة عدد مقاعد البرلمان من 150 إلى 210 مقاعد، حيث يُعيّن الرئيس ثلثها.
خلفيات القرار ودوافعه
تباينت الآراء حول خلفيات قرار التأجيل، حيث اعتبره البعض خطوة ضرورية لضمان نزاهة العملية الانتخابية، بينما رأى فيه آخرون أداة للإقصاء السياسي. وقد أرجعت اللجنة العليا للانتخابات قرارها إلى "دواع أمنية"، مشيرة إلى أن الظروف الحالية لا تسمح بإجراء انتخابات نزيهة في تلك المناطق.
البدائل المطروحة
طرحت اللجنة ثلاثة بدائل للتعامل مع المحافظات المعنية: السماح بالتصويت خارج هذه المحافظات، تخصيص المقاعد المعطلة للتعيين من حصة الرئيس، أو الإبقاء على المقاعد شاغرة حتى زوال الظروف المانعة. وقد اعتبرت "الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا" القرار إقصاءً سياسياً، مطالبة المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بالانتخابات.
موقف الحكومة
في ردها، أكدت اللجنة العليا للانتخابات أن "الإدارة الذاتية لا تملك تقرير شرعية الانتخابات"، مشددة على أن اللجنة هي الوحيدة المخولة بتحديد الجدول الزمني بما يضمن النزاهة والشفافية. وأوضح عضو اللجنة، الدكتور نوار نجمة، أن الانتخابات تُعتبر "استحقاقاً سيادياً" لا يمكن إجراؤها إلا في بيئة تضمن العدالة.
الأبعاد الاجتماعية والسياسية
تُعتبر محافظتا الرقة والحسكة ذات أهمية سياسية واستراتيجية، حيث تخضعان لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويبلغ عدد سكان الرقة نحو 816 ألف نسمة، بينما يصل عدد سكان الحسكة إلى حوالي 1.3 مليون نسمة. أما محافظة السويداء، التي يغلب عليها السكان من الدروز، فقد شهدت اضطرابات مسلحة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
تباين الآراء في المجتمع
تفاعل السوريون على منصات التواصل الاجتماعي مع قرار التأجيل بشكل حاد، حيث اعتبر البعض أن إجراء الانتخابات في تلك المناطق يعني اعترافاً بسلطات الأمر الواقع. بينما رأى آخرون أن القرار يعيد إنتاج عقلية النظام السابق، حيث "الرئيس هو من يقرر ويختار".
حقوق الأقليات
يُعتبر قرار التأجيل بمثابة رسالة سلبية بشأن التزام الحكومة بالتمثيل العادل، خاصة أن المحافظات المستبعدة تضم أقليات عرقية ودينية. وقد حذر بعض المراقبين من أن هذا النهج قد يعزز شعور التهميش لدى سكان هذه المناطق، مما قد يؤدي إلى تقويض شرعية البرلمان محلياً ودولياً.
اقتراحات للمستقبل
في ظل هذه الظروف، اقترح بعض الخبراء تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن الحكومة و"قسد" وممثلي السويداء ومنظمات حقوقية محلية، لوضع خارطة طريق لإجراء الانتخابات بجدول زمني محدد. هذا من شأنه أن يضمن مشاركة جميع السوريين ويعيد بعض الثقة للعملية السياسية.
الخاتمة
إن قرار تأجيل الانتخابات في الرقة والحسكة والسويداء يعكس تعقيدات المشهد السياسي في سوريا، ويطرح تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية وحقوق الأقليات. يبقى الأمل معقوداً على إيجاد حلول تضمن مشاركة الجميع في صنع القرار، وتحقق الاستقرار في البلاد.