الإخوان المسلمون: بين التصنيف الإرهابي والتعامل الغربي
مقدمة
تعد جماعة الإخوان المسلمين واحدة من أبرز الحركات الإسلامية في العالم، وقد أثارت جدلاً واسعاً حول دورها وتأثيرها في المجتمعات العربية والغربية. بينما تصنف بعض العواصم العربية التنظيم كجماعة إرهابية، لا تزال غالبية الحكومات الغربية تتعامل معه ككيان دعوي، مما يمنحه هامش مناورة واسع. ومع ذلك، فإن المتغيرات الأمنية والإيديولوجية الأخيرة قد دفعت العديد من الدول إلى إعادة النظر في هذه المقاربة.
جذور المواجهة
تتصدر الدول العربية مسار المواجهة مع الإخوان، حيث أعلنت كل من مصر والسعودية والإمارات تصنيف التنظيم كجماعة إرهابية، وشرعت في ملاحقة شبكاته المالية والتنظيمية. وقد برز الأردن كمحطة جديدة في هذه المواجهة، حيث بدأت الحكومة إجراءات تستهدف شركات وجمعيات يشتبه بأنها واجهات مالية للتنظيم. في تونس، تسارعت الأحداث مع صدور أحكام قضائية بالسجن على قيادات إخوانية بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة.
التعقيدات الأوروبية
في الساحة الأوروبية، لا يزال الوضع معقداً. رغم غياب التصنيف القانوني للتنظيم كمنظمة إرهابية في غالبية دول أوروبا، بدأت أصوات سياسية وأمنية تدعو إلى مراجعة الموقف. يعتبر الكثيرون أن هناك تغلغلاً خطيراً للإخوان داخل مؤسسات تعليمية ودينية واقتصادية، مما يستدعي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
استراتيجيات التلاعب والمراوغة
يعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية مصطفى أمين أن التنظيم دخل مرحلة جديدة من المواجهة، خاصة بعد الإجراءات الفرنسية والألمانية الأخيرة. ويشير إلى أن الإخوان يعتمدون استراتيجيات متقدمة تشمل "التلاعب والتخفي والالتفاف على القوانين". ورغم محاولات تقليص الدعم المالي، لم تنجح فرنسا في تجفيف منابع التمويل بشكل شامل، حيث استغل التنظيم الثغرات القانونية لتأسيس واجهات جديدة.
التخفي والتناقضات الغربية
يرى الخبير التونسي في الشؤون الأمنية خليفة الشيباني أن صعود الإخوان مرتبط بتحالفات سياسية خاطئة في السبعينات والثمانينات. ويصفهم بأنهم "جماعة سرية بطبيعتها"، تجيد "مبدأ التقية"، وتظهر بوجه مدني بينما تضمر أهدافاً أيديولوجية عنيفة. ويشير إلى أن الغرب ارتكب "خطأ قاتلاً" حين قدم المأوى لعناصر الإخوان تحت غطاء حقوق الإنسان والديمقراطية.
اختراق فرنسا
حذر الخبير الفرنسي جان بيار ميلالي من تسلل الإخوان إلى عمق المؤسسات الفرنسية، مستغلين شعارات العلمانية والحريات. وقد دفع الوضع الفرنسي المقلق الرئيس إيمانويل ماكرون إلى عقد مجلسي دفاع، وتوجيه أوامر بإعداد قانون خاص لمواجهة ما سماه "الانعزالية الإسلامية". ومع ذلك، تبقى الإجراءات غير كافية بسبب وجود حلفاء للإخوان في الداخل الفرنسي.
أميركا.. تغلغل ناعم
في الولايات المتحدة، نجح الإخوان في اختراق النسيج الأميركي بعد أحداث 11 سبتمبر، مستفيدين من هامش واسع للتحرك تحت غطاء المنظمات الدعوية. وقد تمكن الجيل الجديد من الإخوان من التغلغل في الجامعات الكبرى، مستخدمين أساليب "الدعوة الناعمة" لكسب الدعم. ورغم دعوات بعض النواب لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، لم تجد هذه الدعوات طريقها للتنفيذ بسبب هيمنة الديمقراطيين على الكونغرس.
خاتمة
تظل جماعة الإخوان المسلمين موضوعاً مثيراً للجدل، حيث تتباين الآراء حول دورها وتأثيرها في المجتمعات. بينما تسعى الدول العربية إلى مواجهة التنظيم بطرق صارمة، لا تزال الحكومات الغربية تتعامل معه بحذر، مما يتيح له فرصة التمدد والتغلغل في المجتمعات. يتطلب الوضع الحالي تنسيقاً دولياً فعالاً لمواجهة التحديات التي يمثلها التنظيم، وفهماً عميقاً لطبيعة أهدافه وأيديولوجيته.