الوضع الاقتصادي في إيران: أزمة متفاقمة واحتجاجات شعبية
تعيش إيران في ظل أزمة اقتصادية خانقة، حيث لا يبدو أن هناك أي تحسن يلوح في الأفق. الوضع الاقتصادي المتدهور يفاقم من الأزمات الداخلية، مما يغذي الاحتجاجات الشعبية على تدهور الحياة المعيشية. وفقًا لتصريحات نبيل العتوم، مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية، فإن 40 مليون إيراني يعيشون تحت خطر الفقر، بينما يعاني 13 مليون شخص من عدم القدرة على شراء السلع الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت، مما يعكس فشل السياسات الاقتصادية التي يتبعها النظام الإيراني.
الريال الإيراني في حالة سقوط حر
من أبرز المؤشرات على تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني هو انهيار قيمة العملة المحلية. فقد شهد الريال الإيراني تراجعًا حادًا، ليصبح من بين أضعف العملات في العالم. قفز سعر الدولار من 60 ألف تومان في يوليو 2024 إلى 93 ألف تومان، مما يعني أن الريال فقد أكثر من 54 بالمئة من قيمته في آخر 16 شهرًا. هذا الانهيار أدى إلى زيادة معدلات التضخم ورفع أسعار السلع والخدمات بشكل حاد، مما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر الإيرانية.
الإقالات الحكومية: حلول لا تعالج جذور المشكلة
في محاولة لاحتواء الأزمة الاقتصادية، قررت الحكومة الإيرانية إقالة وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، الذي كان يشغل سابقًا منصب محافظ البنك المركزي الإيراني. ورغم أن هذه الخطوة قد تبدو في ظاهرها جزءًا من محاولات الإصلاح، إلا أن العتوم يرى أن هذه الإقالة لا تعكس حلًا حقيقيًا. الأزمات الاقتصادية في إيران نتيجة تراكمات طويلة، ولا يمكن حلها بتغيير وزير أو مسؤول واحد. اليوم، 50 بالمئة من الشباب الإيرانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 عامًا عاطلون عن العمل، مما يعكس حالة من اليأس في سوق العمل.
العقوبات الأميركية: التأثير الخانق على الاقتصاد الإيراني
تتضافر العقوبات الأميركية المفروضة على إيران لتفاقم الأزمة الاقتصادية. فقد أدت هذه العقوبات إلى شلل شبه كامل في صادرات النفط الإيراني، حيث تعهدت الولايات المتحدة بتصفير صادرات النفط الإيراني، وهو ما أثر بشكل كبير على الإيرادات الوطنية. العقوبات عرقلت بيع النفط الإيراني، وكانت لها عواقب وخيمة على الاقتصاد، حيث شهدنا تصاعد الاحتجاجات الشعبية نتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الرواتب، في ظل عجز الحكومة عن تقديم حلول فعلية لهذه التحديات.
إيران معزولة دوليًا: والشراكات التجارية لا تعوض الخسائر
رغم محاولات إيران الالتفاف على العقوبات الغربية من خلال تعزيز علاقاتها التجارية مع روسيا والصين، إلا أن هذه الشراكات لم تكن كافية لتعويض الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها البلاد. العزلة الدولية تزداد، مما يُضعف الاقتصاد الإيراني بشكل أكبر. تعاني 41 بالمئة من المصانع الإيرانية من التوقف عن العمل بسبب أزمة الطاقة غير المسبوقة، مما يزيد من تفاقم معدل البطالة ويؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي.
تركيز على الإنفاق العسكري: إهمال الخدمات الاجتماعية
في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يلاحظ العتوم أن الإنفاق العسكري الإيراني شهد زيادة كبيرة بنسبة 200 بالمئة في السنوات الأخيرة. إيران تواصل زيادة الإنفاق على القطاع العسكري والأمني، بينما تغيب الإصلاحات الاجتماعية التي قد تساعد في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. هذه السياسة لا تقتصر على إنفاق ضخم على المعدات العسكرية، بل تمتد أيضًا إلى دعم الميليشيات المسلحة في مناطق النزاع، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الداخلية على حساب المواطنين الإيرانيين.
هل يمكن إنقاذ الاقتصاد الإيراني؟
رغم الوضع المتدهور، يعتقد العتوم أن هناك فرصًا لتحسين الاقتصاد الإيراني، لكن هذه الفرص مشروطة بعدة إصلاحات داخلية وخارجية. من الضروري أن تُطلق إيران حوارًا مباشرًا مع الولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق نووي جديد يضمن تقليص التوترات الدولية وفتح قنوات جديدة للتجارة. كذلك، يجب على الحكومة الإيرانية اتخاذ إجراءات جذرية لمكافحة الفساد، وتحسين إدارة الموارد الحكومية. إذا لم تتحقق هذه الإصلاحات، فإن إيران ستستمر في مواجهة أزمات اقتصادية متراكمة، مع عزلة دولية قد تزيد من تعميق الجراح.
خاتمة
تستمر إيران في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة نتيجة لتراكم السياسات الفاشلة والعقوبات الدولية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لتغيير بعض الوجوه الحكومية، إلا أن غياب الحلول الجذرية يعني أن البلاد مهددة بمزيد من التدهور. إن الوضع يتطلب تحركًا عاجلاً وإصلاحات شاملة لتجنب المزيد من الأزمات التي تؤثر على حياة المواطنين الإيرانيين.